إضَاءَاتٌ علَى طَرِيقِ الحَيَاةِ

TimeQuran

الاثنين، نوفمبر 28، 2011

يسْقط يسْقط حُكم الشّعب


















" أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " المائدة 50 . يقول ابن كثير رحمه الله :  ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير ، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات ، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم . ( تفسير ابن كثير 130 / 3 ) . 

كم يضيق صدري وتذهب نفسي حسرات على قومي ، الذين يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير . كيف لأمة لم يعرف التاريخ حضارة كحضارتهم ، بلغوا ذرى المجد في الدين والعلم والأخلاق ، أن تسير على خطى قوم هلكوا وخلفوا وراءهم تاريخا وثنيا قبيحا ، قوم صنعوا لأنفسهم آلهة من كل لون و نوع ، فإله للحرب وإله للجمال وإله للسلام وإله للحب ... وإله ... وإله ... ثم هم إذا لم يرضوا عن آلهتم قاتلوهم .. قاتلهم الله .. 

أيا قوم .. كيف لبني يونان أن يحكمونا الآن ؟!! ألهذه الدرجة اتبعنا سنن من كان قبلنا ؟!!  روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه " 

                             من يهـن يسهل الهوان عليه  **  مـــا لجـرح ميـت إيـــلام


بالله يا قوم أين عقولكم ؟!! لو أن أحدكم أقام مؤسسة أو شركة أو مصنعًا وأراد أن يولي عليها من يقيم شؤونها ويرعاها ، هل سيستعين بآراء كل من هب ودب من العامة و الدهماء و النساء و الأطفال وغير المختصين ليرشدوه إلى من هو أهل لهذه الولاية ؟!! إن المعيار الأوحد الذي تقيس عليه العامة والدهماء هو العاطفة والحماسة لا العقل والشرع .  والأعجب من هذا أن يساوى الرجل صوت العالم المتخصص بصوت جامع القمامة بهذه المؤسسة !!

لو أن مجموعة مرشحين في دائرة انتخابية ما عرضوا برامجهم وأفكارهم على أهل الدائرة ، وأجمع عقلاء القوم وكبارهم على أن شخصا ما بعينه هو الأصلح لأهل هذه الدائرة ، وكان عدد هؤلاء الحكماء العقلاء الكبار مئة شخص مثلا وعدد أهل الدائرة من العامة والرعاع ألف شخص ، فبأي منطق ستكون وجهتك أيها العاقل .. أتقاس الأمور بالكم أم بالكيف ؟!! لقد حكمنا على أنفسنا بالهلاك إن طبقنا هذه الديموقراطية .

أيها الأخ العاقل الكريم كيف لصوت شيخ الأزهر أن يتساوى وصوت راقصة داعرة ماجنة ؟!! كيف لصوت عالم كأحمد زويل مثلا أن يساوى بصوت أمي لا يحسن القراءة والكتابة .. بل قد لا يحسن التفكير ؟!! إنه قانون الديموقراطية الذي أطاح بحضارة الغرب الأخلاقية إلى الهاوية .

قد فطن القوم في بلاد الغرب إلى هذه الخدعة الكبرى المسماة بالديموقراطية ، فتراهم يتركونها لشعوبهم يلعبون بها .. فيسنوا لأنفسهم قوانين إباحية أو قوانين لجمع القمامة و تحديد العلاقة بين الجار و جاره ، وقوانين المرور وغيرها .. أما فيما يتعلق بأمور السياسة الحقيقية فلا صوت يعلو فوق صوت الحاكم .. فتفطّن ولا تُخدع ! هذه أمريكا أحد أكبر منابر الديموقراطية في العالم الآن لا تجد فيها غير حزبين لا ثالث لهما .. أحدهما فقط هو الذي يتبنى الفكر الديموقراطي والآخر يتبنى الفكر الديني المحافظ !! 

ألا تعتمد الديموقراطية على رأي الأغلبية ؟!! فما بال القوم في الغرب تنهاهم شعوبهم عن احتلال أفغانستان والعراق ولا يقيمون لآرائهم وزنا ولا لأصواتهم قيمة ؟! إنها الخدعة الكبرى التي انطلت شعوب العالم الثالث !

لقد ذمت الشريعة الغراء الكثرة التي تسمى الآن بالأغلبية في غير موضع من الكتاب والسنة ، فمن ذلك قول الله عز وجل : " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله " الأنعام 116 ، وقوله جل في علاه : " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " يوسف 103 ، وقوله تعالى : " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. " العصر . وإخبار النبي صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيدخل الجنة يوم القيامة من كل ألف واحد لا غير كما في صحيح البخاري 4 / 138   ، وإخباره بأن الفرق الضالة ثلاث وسبعين ، الناجية منهم واحدة . أخرجه ابن وضاح في البدع 2 / 167 والمروزي في السنة 1 / 23 والآجري في الشريعة 1 / 307 وابن بطة في الإبانة  1 / 373 وصححه الحاكم في المستدرك 1 / 218 . 

كيف لمسلم أن يرضى بمجلس يجعل المسلمات الشرعية والأحكام الإلهية عرضة للتصويت والاستفتاء ؟! فإن رضي عنها الشعب الموقر أمروها ، وإن لم يرض أوقفوها وعطلوها ! 

إذا كان الشعب في الديموقراطية هو الحاكم ، فمن يكون إذن المحكوم ؟!! وكيف يكون هو القاضي والخصمان في آن واحد ؟!! وماذا لو حكم على نفسه بشيء لم يعجب بعضه ؟! أنلزم هذا البعض بما حكم به البعض الآخر ؟!! ولماذا نلزمهم ؟!! وعلى أي أساس ألزمناهم ؟! أين الحرية إذن ؟!! يسقط يسقط حكم الشعب !


الجمعة، أكتوبر 28، 2011

التعليقاتُ الحسَان علَى مَن تجرَّأ و نَاطح الجَبل رسلان

















هذه بعض التعليقات على مقاطع مرئية أضاع فيها البعض أعمارهم وأوقاتهم فيما لا ينفع في الفانية أو الباقية ، وهؤلاء حق أن يقال فيهم : لو رددتم على أهل الباطل لكان أقوم وأحسن سبيلا ، ولكن ليس للشهرة سبيل أقصر من مناطحة الجبل رسلان ، فيا ناطح الجبل خف على رأسك لا على الجبل !!

التعليق الأول :

إن هؤلاء الأغمار وغيرهم لا ينكرون مبدأ الرد على المخالف والتحذير منه والتحذير من الفرق الهالكة إلا فرقة الخوراج ..فهم يحذرون من دعاة الفرق الهالكة الأخرى كالصوفية والأشعرية والمعتزلة وغيرها ..

التعليق الثاني :

أنهم لا يفطنون - أو يخدعون - بظنهم أن الخوراج هم فقط من يكفر المسلمين بالمعصية ، أو من يخرج على ولي الأمر بالسيف .. والحقيقة أن الخوراج أنواع لا تقتصر على هذين فقط .. قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى في كتابه مقالات الإسلاميين 1/183 : وأصل قول الخوارج إنما هو قول الأزارقة والإباضية والصفرية والنجدية . اهـ ، وقد وصف رحمه الله النجدية : في 1 / 168 بقوله : وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات فإنها لا تقول بذلك . اهـ ، وقد نقل هذا القول عن الأشعري شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه منهاج السنة 3/461 دون أن يتعقبه .

و الخوارج القعدية أحد تلك الفرق التي تتفرع من الخوارج ،فهم كما وصفهم الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه الإصابة 5 /303 في ترجمة عمران بن حطان : وكان من رءوس الخوارج من القعدية بفتحتين وهم الذين يحسنون لغيرهم الخروج على المسلمين ولا يباشرون القتال . اهـ ، وانظر أيضاً : كتاب مقدمة فتح الباري لابن حجر 1 / 432 وكتاب تدريب الراوي للسيوطي 1 /329 . وقال السيوطي في تدريب الراوي: عمران بن حطان من القعدية الذين يرون الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك . اهـ

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوي في كتابه فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي 71/2 : فالقعدية قوم من الخوارج كانوا يقولون بقولهم ولا يرون بالخروج ، بل يدعون إلى آرائهم ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه . اهـ

ثم انظر رحمك الله أيضا في كلام الأئمة العلماء الذين أنكروا على من يثبط عن ولي الأمر ويثير عليه باللسان ، قال الشوكاني رحمه الله في كتابه السيل الجرار 4 / 514 : في شرح قول صاحب الأزهار رحمه الله تعالى : ويؤدب من يثبط عنه أو ينفى ومن عاداه فبقلبه مخطئ وبلسانه فاسق وبيده محارب . قال الشوكاني رحمه الله تعالى : و أما قوله : و يؤدب من يثبط عنه ؛ فالواجب دفعه عن هذا التثبيط فإن كفّ وإلا كان مستحقاً لتغليظ العقوبة والحيلولة بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط بحبس أو غيره لأنه مرتكب لمحرم عظيم وساع في إثارة فتنة تراق بسببها الدماء وتهتك عندها الحرم و في هذا التثبيط نزعٌ ليده من طاعة الإمام . وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال : (( من نزع يده من طاعة الإمام فإنه يجيء يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت موتة جاهلية )) . اهـ

وقال ابن فرحون رحمه الله تعالى في كتابه تبصرة الحكام 1 / 227 : ومن تكلم بكلمة لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين لزمته العقوبة الشديدة ويسجن شهراً ومن خالف أميراً وقد كرر دعوته لزمته العقوبة الشديدة بقدر اجتهاد الإمام . اهـ

التعليق الثالث :

تشنيعهم بأننا نتكلم في العلماء .. وإذا سألت أحدهم من يكون العالم .. أو كيف نعرف أن هذا الشخص عالما .. أجابك أحسنهم حالا : هو من اشتهر بالسنة والذب عنها .. فإذا قلت له : هل أنت أهل لهذه الشهادة ، وهل أنت المرجع في ذلك ؟ نفى ذلك نفيا قاطعا .. أو يجيبك أحدهم : زكاه فلان . وفلان هذا عن علماء السنة بمعزل .. وليس لديه سند يتصل بهم ولا جلوس وطلب تحت أرجلهم .. فطريقتهم الموهمة لأتباعهم أن يزكي بعضهم بعضا .. وعجبا لهذا الضلال .. فكل أصحاب فكر منحرف .. ما عليهم - بناء على ما سبق - إلا أن يجالسوا عالما مشهورا بعض المجالس ، ثم يزكي بعضهم بعضا .. وهكذا نرى علماء من الهواء !!!

التعليق الرابع :

إقرارهم بأن البدعة أعظم من المعصية ، ثم هم يحذرون من أهل المعاصي ولا يحذرون من أهل البدع !! وهذا تناقض عجيب.

فتراهم يقفون أمام دعاة البدع وقفة إجلال واحترام ، أو سكوت عنهم وعن انحرافاتهم ، و أمام دعاة المعاصي والفسوق ، تجدهم يشنعون عليهم بأقبح ألوان التشنيع والتحذير ، بل قد وصل الأمر بالبعض إلى حد تكفيرهم ! فكيف لهؤلاء يرون البدعة أقبح وأعظم جرمًا من المعاصي ، ولا يحذرون من أصحابها ، ويحذرون مع أصحاب المعاصي ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رفيقًا بأهل الكبائر ، شديدًا على الذين يحدثون في الدين كموقفه عليه السلام من الثلاثة الذين زهدوا في النوم والطعام والنكاح دينا وتقربا إلى الله ، وككلامه عليه السلام في الخوراج ووصفهم بأنهم كلاب أهل النار ، على حين لم يكفر الخوراج جمهور أهل السنة والجماعة ، ونظائر ذلك كثير في كتب السنن ليس هذا المقال مكان بسطها .

التعليق الخامس :

إقرارهم بوجوب اجتناب البدع ، ثم هم يثنون على أصحابها ولا يحذرون من الداعين إليها !!

وكأن هذه البدع الضالة تمشي وحدها في أسواق المسلمين وتدخل بيوتهم ، وتدعو إلى نفسها بنفسها !! كيف تحذر ولدك من الكذب وعاقبته ثم تسمح له بمجالسة ومصاحبة من كان الكذب خلقه وديدنه ، ولا تحذر ولدك منه !! أو تقول له : بل هذا الكذاب الأشِر على خير !! يصرخ أحدهم بأعلى صوته بأن الصوفية أو الخوارج أو الأشاعرة مناهج مبتدعة وضالة ، ثم تسأله عن أحد منظري هذه المناهج أوالمنافحين عنها ، فيقول لك : هو على خير ، لا بأس به !!

قال شيخ الإسلام في المجموع 28 / 230 : وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة: مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكا والثوري والليث بن سعد - أظنه - والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ؟ فقالوا: بين أمره. وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: أنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا. فقال: إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم. ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد .

التعليق السادس :

قولهم : كل الدعاة على خير ، وهم يقرون - أو بعضعهم يقر - بحديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة !! الذي أخرجه ابن وضاح في البدع 2 / 167 والمروزي في السنة 1 / 23 والآجري في الشريعة 1 / 307 وابن بطة في الإبانة 1 / 373 وصححه الحاكم في المستدرك 1 / 218 وصححه الألباني .

ولا أدري ماذا يصنعون بهذا الحديث الثابت الصحيح !! أراح بعضهم نفسه وضعفه وليس لديه علم بالحديث لا رواية ولا دراية ، وإذا ضعفه فماذا يصنع بما ثبت عن الصحابة والسلف من التحذير من الفرق ورؤوسها والداعين إليها ! وكيف يكون كل الدعاة على خير والنبي الكريم عليه السلام قد قال كل الدعاة على ضلال إلا ... واستثنى صلوات الله وسلامه عليه نوعًا واحدًا فقط ! فهل يرون أن هذه الفرق وما فيها من ضلال كانت في العصور الأولى ولا وجود لها الآن ، إذا كان كذلك فالشرع والعقل والواقع يكذبون هذا .

فأما الشرع فالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام قد بين أن هذه الفرق المتوعدة بالنار ابتداءً ستقع في الأمة ولم يحد هذا بزمن ولا عصر ، ومعلوم لمن لديه أدنى معرفة بالشرع أن الضلال هو الغالب على العالمين ، وهذا من أقدار الله عز وجل الكونية لا الشرعية ، قال الله تعالى : " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله " الأنعام 116 وقوله جل وعلا في العصر : " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " وإخبار النبي الكريم أنه في يوم القيامة يدخل الجنة من كل ألف واحد فقط كما في صحيح البخاري 4 / 138 .

وأما العقل ، فلا يشك من أوتي أدنى دراية أن الضلال والغواية والانحراف تزيد وتتفحش مع تقادم الزمان وبعده عن زمن الرسالة ، تزايدًا اضطراديًا ، ومعالم الدين وعلومه تندرس وتقل كلما بعدت عن الأزمان الفاضلة والقرون المباركة . وأما الواقع فهو كالشمس لذي العينين فكل فرقة ضالة قد تولد عنها عشرات الفرق بل مئات الفرق الضالة ، التي تولدت عن الفرقة الأم ، ولا تجد بلدًا مسلما إلا وفيه من الفرق المنحرفة باسم الإسلام ما يعجز المرء عن عدّه وحدّه !

التعليق السابع :

شبهة يثيرها بعضهم وهي قولهم : إن الجرح والتعديل خاص بزمن الرواة ، وقد بين العلماء أن هذا ضلال مبين فعلم الجرح والتعديل لم يمت وسيبقى ليوم القيامة كما ذكر العلامة العثيمين ، وإمام هذا العلم كما بين العلامة المحدث الألباني الذي هو أعلم الناس في العصر بعلوم الحديث والجرح والتعديل الشيخ ربيع المدخلي .

ومن العجيب أنهم يستشهدون بأقوال أئمة الجرح والتعديل على مذهبهم المنحرف !!

وهكذا الهوى يهوي بصاحبه ، فإذا كان علم الجرح والتعديل معهم في شيء - زعموا - رفعوا شأنه واستشهدوا بعلمائه ، وإذا كان ضدهم وفاضحًا لعوارهم ، نفوا أن يكون له وجود فيما بعد عصر الرواة ! ولمزيد بيان نقول : هم يشنعون على علماء الجرح والتعديل في هذا العصر بقولهم لا حاجة في الكلام في أهل البدع في هذا الزمان فالجرح والتعديل خاص بزمن الرواة ، ثم هم في موطن آخر عند تحذير العلماء من أهل البدع والضلال وذكر سيئاتهم ، يقولون : ما بالكم لاتنصفون ولا تعدلون وتذكرون الحسنات والسيئات كما فعل الذهبي وغيره . ونقول : إذا أسقطتم كلام الذهبي وغيره على المجروحين في هذا العصر ، فهذا اعتراف ضمني بأن الجرح والتعديل لا يخص زمن الرواة ! فها أنتم تستدلون بآراء علماء الجرح والتعديل في المجروحين وتسقطونها على مبتدعة العصر !

والشيء بالشيء يذكر ، فإن منهج الموازنات بين حسنات أهل البدع وسيئاتهم باطل ، فقد قال الخطيب البغدادي في الكفاية 117 : قال نافع بن أشرس : كان يقال : من عقوبة الكاذب ألا يقبل صدقه ، قال : وأنا أقول : من عقوبة الفاسق المبتدع ألا تذكر حسناته .

إن الغاية من هذا العلم الجليل هو تنقية السنة النبوية مما يشوبها من الكذابين والوضاعين والمبتدعة ، وإن كان زمان الرواية ومجالس التحديث قد انتهت فما زال المبتدعة ينشرون ضلالاتهم في الآفاق ، ولذا فقد ذكر شيخ الإسلام فيما نقلناه آنفًا بعد أن ذكر الكلام في الرواة تجريحًا وتعديلا أن الكلام في أهل البدع أحد غايات هذا العلم ، حيث قال : ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد .

التعليق الثامن :

وهو أن شيخهم الزغبي الذي هو إمامهم الآن في الردود على مخالفيهم ، ويعتبر من أوسعهم علما وأقواهم حجة ، فهو في الأصل أزهري وله طلب للعم وجلوس بين يدي علماء المملكة - ويا ليته انتفع بذلك - قال بأنه لا يستطيع الرد على الشيخ محمد سعيد رسلان ولا يقوى على ذلك فالشيخ كما قال الزغبي إمام في العلم والزهد وحقيق بي أن أذهب إليه وأتعلم منه ... فما بال هذا الغمران بعد بيان شيخهم وعالمهم يتجرؤون على ما لم يستطعه ولم يقو عليه !!! أم إنه طلب للشهرة وذيوع الصيت !! وهذا رابط كلام الزغبي
http://www.youtube.com/watch?v=1Y4XQwjUAHE

التعليق التاسع :

كثيرا ما يتغنى أمثالهم ومن على طريقتهم بوجوب المناصحة قبل الرد .. فهل نزل هذا الوجوب إلى مرتبة الاستحباب مع علماء الحق وحماة العقيدة .. أم هو تناقض جديد يضاف إلى سلسلة تناقضاتهم ؟!! فلماذا لم يرسلا هذا الرد إلى الشيخ مباشرة ويتعلما منه حقيقة اعتقاد أهل السنة وسلف الأمة في تلك الأمور .. لكن هيبة الشيخ حفظه الله منعتهم .

التعليق العاشر :

وإذا ادعيا أنه يسب ؟! فنقول .. الأصل أن السباب محرم في حق المسلم .. لكن قد يكون في التشبيه ببعض المخلوقات الحيوانية فائدة وعبرة .. أو قد يكون التلفظ ببعض الألفاظ المهينة في بعض المواطن بضوابط  معينة جائز .. وهذا له أصل في الكتاب والسنة وآثار السلف .. وهو خاص بمن اشتد ضلاله وتلبيسه وأثر في جموع المسلمين ودينهم .. ففي كتاب الله وصف لمن يعرف العلم ولا يعمل به .. بقوله جل في علاه عن اليهود : كمثل الحمار يحمل أسفارا . وإذا ذكر المثل فإنما يكون للاعتبار لعموم الناس وليس خاصا باليهود . وقوله واصفا صاحب الهوى : فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث . وذكر والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

ومن السنة : وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للخوراج بأنهم كلاب أهل النار .. والخوراج مسلمون عند جمهور أهل السنة والجماعة . ووصفه لأحد الصحابة بأنه صعلوك لا مال له . وذلك لاقتضاء المصلحة والنصيحة مثل هذا الوصف . وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِلْقَوْمِ : إِنِّي قَدْ أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ ؛ إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ هَذَا ؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا : ( إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَعْتَزِي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا ) .
رواه أحمد ( 35 / 157 ) وحسَّنه محققو المسند . وعَنْ أُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى ، فَأَعَضَّهُ أُبَيٌّ بِهَنِ أَبِيهِ ، فَقَالُوا : مَا كُنْتَ فَحَّاشًا ؟ قَالَ : إِنَّا أُمِرْنَا بِذَلِكَ  .رواه أحمد ( 35 / 142 ) وحسَّنه محققو المسند ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ، قال أبو جعفر الطحاوي – رحمه الله - : ففي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن سُمِع يدعو بدعاء الجاهلية ما أمر به فيه .

وقول الصديق لأحدهم : امصص بظر اللات . صحيح البخاري ، قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد معلقا : وفي قول الصديق لعروة (امصص بظر اللات) دليل على جواز التصريح باسم العورة إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال. اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمتى ظلم المخاطب لم نكن مأمورين أن نجيبه بالتي هي أحسن. اهـ. .

ومن آثار السلف قول أمير المؤمنين في الحديث شعبة شيخ البخاري : لأن أشرب من بول حمار خير لي من أحدث عن أبان بن عياش . وقول الإمام أحمد فيمن يقدم عليا على عثمان : هو أضل من حمار أهله . وقلهم : هو أضل من البعرة أو ما شابه .. ومثله كثير في آثار السلف وراجع لزاما مقدمة كتاب إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبدالله القرضاوي للعلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه .

لكنا نقول إن الشيخ محمد سعيد رسلان لم يصل في ردوده إلى هذا الحد ، وإنما هو يشتد على المخالفين ويبين ضلالهم دون سباب أو شتم أو تعيير .. وأشد ما قد يؤاخذونه عليه في هذا الصدد نصيحته لشيخ الضلالة ابن عبدالمقصود بأن يؤلف في علم الزرايب والبهائم .

ولا أدري أين السب والشتم في هذه المقولة فالشيخ إنما يبين أن هذا الرجل ليس له نصيب من العلم السلفي الصحيح وخير له أن يؤلف في تخصصه الحقيقي الزراعة والمواشي .. فهذا خير له ولأمثاله وللمسلمين من أن يسب العلماء ويتطاول عليهم بل ويمثل بيديه القرون ويضعها على رأسه ليسبهم !

التعليق الحادي عشر :

كلامهم على العدل والإنصاف مع المخالف .. ونقول لهما إن العدل والإنصاف خلقين كريمين لا يليقان بأهل البدع الذين يهدمون الشريعة .. قال الخطيب البغدادي في الكفاية 117 : قال نافع بن أشرس : كان يقال : من عقوبة الكاذب ألا يقبل صدقه ، قال : وأنا أقول : من عقوبة الفاسق المبتدع ألا تذكر حسناته . ولعلمائنا المعاصرين كالألباني والفوزان وغيرهما كلام كثير حول بدعية منهج الموازنات .

التعليق الثاني عشر :

خلطهم بين باب الردود على أهل البدع وباب الاختلاف الحاصل بين علماء السنة .. ولكل منهما بابه في الشريعة ومسلكه الخاص .. فما أكثر الردود على أهل البدع والتشنيع بهم في كتب السلف .. وما أحلمهم وأصبرهم مع علماء السنة .
وخلطهم بين باب الردود على أهل البدع والترجمة لهم ولكل منهما أيضا بابه في العلوم الشرعية  ، قال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبليًّ ـ رحمه الله ـ (الفرق بين النَّصيحة والتَّعيير)(ص:38):(( إنَّ الإنسان إذا كان يؤلِّف في سير النَّاس، فيذكر كلَّ ما هبَّ ودبَّ من سيرهم من خير وشرٍّ،لانَّهم يروُون تاريخا وسيرة، لكن إذا كان في نقد هذا الرَّجل تحذيراً من بدعته، ومن ضلاله، ومن شرَّه، أو من فسقه فلا يلزمك إلاَّ أن تبيَّن موضع النَّقد، ويكفي.وإذا كان إنسان يريد أن يذكر تاريخ شعب من الشَّعوب أو أُمَّة من الأمم أو شخصيَّة من الشَّخصيَّات فيذكر كلَّ ما ورد عنه، وكلَّ ما يتَّصل بحياته من خير وشرٍّمسلمٌ كان أو يهودي أو نصراني حتَّى الشَّيطان لما عرَّفوا به قال بعضهم: كان من الملائكة ثمَّ مسخه الله تبارك وتعالى فصار شيطانا ـ يقولون هكذا ـ فإذا كنت تؤرِّخ فحدَّث عن النَّاس ولا حرج، واُذكر ما للنِّاس من حسنات وسيِّئات ،وحدِّث عن المسلمين والكفار)) .

التعليق الثالث عشر و الأخير :

يقول الثاني: إن زبدة وخلاصة دعوة النبي هي مكارم الأخلاق .

ما هذا الضلال المبين !! وأين إذن التوحيد من دعوته ؟!! التوحيد يا كرام هو زبدة وخلاصة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وهو شجرة الإيمان التي يتفرع منه الأخلاق والعبادات والمعاملات كما ذكر ابن القيم رحمه الله .

حفظ الله الشيخ رسلان ومكن لهذه الدعوة المباركة على أرض مصر

الجمعة، سبتمبر 09، 2011

المبَادئ فوْق فوْق فوقَ الدستُوريّة !!















من العجب العجاب .. ومن الأمور المدهشات التي لا يعيها إلا أرباب السحر والشعوذة ، أو أهل البركة والخطوة ، أو الخارقون الذين يطيرون في سماء أمريكا .. أن يخترع الإنسان وثيقة للتعامل مع أخيه الإنسان ، ثم لا يرضي الثاني بكل بنودها ، فيقوم بتعديلها لتناسبه ، وما إن تقع في يد الأول حتى يرفض تعديل الثاني ، فيقوم بإضافة ما يراه حسنا قويما ، فلا يعجب الثاني ما أضافه الأول .. وهكذا يضيفان ويعدلان ويرفضان ، حتى يمر بهما ثالث وهو يراهما يتبادلان الوثيقة منذ الفجر وحتى العشاء ، فما زاد على أن قال لهم : ومتى تنتهون من هذا ؟ فقالوا : لا ندري ! فقال : إذن فلنبحث عن مرجع يرضاه كلاكما .


فقالا : نعم الرأي .. أخا العشيرة . فأخذهما إلى رابع أكبر منهما سنا ، فانتهوا إلى نفس النتيجة التي كانت بين الأول والثاني من الاعتراض والزيادة والنقصان . فأخذهما إلى خامس أكثر منهما علما ، ثم إلى سادس أكثر منهما تجربة .. وهكذا حتى انتصف نهار اليوم الثاني . فسألهم الثالث : لماذا لم تقبلا كل ما عرض عليكما ؟ فقالا له : لم نرض لأنهم لم يقفوا على حقيقة علاقتنا ، ولم يعرفوا ظروف نشأتنا ، ولم يحيطوا ببيئـتنا علما ، ولم يقفوا على حقيقة ضمائرنا ودخائل نفوسنا ، وقد أخطأوا في تقديرهم لكذا وكذا .. ، أليس من حقنا الاعتراض عليهم والاختلاف عن وجهة نظرهم ؟ فقال الثالث : بلى لكم كل الحق ، ولكن ما الحل إذن ؟!!

العجيب أن لدى قومنا الحل لهذه المعضلة !! فبالأمس وضعوا الدستور بعد أن استوردوه من الغرب ، ثم عدلوا فيه مئات المرات ، ثم لما لم يشعروا في قرارة أنفسهم باحترامه وتقديسه ، اخترعوا المبادئ فوق الدستورية ، وكأن " فيها الشفا " كما يقول أهل بلدنا . ثم لن يعجبهم ذلك ، وسيلجأون إلى فوق فوق الدستورية ، ثم فوق فوق فوق الدستورية .. وهكذا إلى أن يصعدوا إلى الهاوية
!!

وإذا كان هناك من لوم وعتاب ، فهو موجه لمن يسمون أنفسهم بالإسلاميين ، أكثر من غيرهم ؛ ذلك أنهم رضوا ابتداء بغير الكتاب والسنة مرجعا ، وإلى التحاكم إلى غيرهما مردا ، فوضعوا أنفسهم ومن يتعاطف معهم على طريق لا معالم له ، طريق ملؤه الشقاق و على جانبيه الخلاف والاختلاف ، فعقول البشر مهما حاولت من وضع مواثيق ودساتير فلن تتفق على شيء واحد . ولجوا ذاك الطريق الوعر بعد أن كانوا يتغنون بقولهم : دستورنا القرآن !! فأين هم الآن من ذلك ؟!!   


إن الاختلاف قدر كوني نافذ قال الله تعالى : " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " ، وقد أمر الله جل في علاه عند الاختلاف بالرجوع إلى الكتاب والسنة فقال عز من قائل : " وإن اختلفتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي . صححه الألباني .

أفيقوا يا بني جلدتنا مما أنتم منكبون عليه وآخذون بأيدينا معكم ، من دروب الظلام التي نصبها لكم أعداؤكم ، ولا منجي منها إلا الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان من سلف الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم .

الأحد، أغسطس 07، 2011

فأيّ الفَريقيْن أحَقُ بالرَد ؟!!

















بين الفينة والأخرى تنطلق في الآفاق شبهات تتخطف القلوب السائرة على طريق الحق ، وترمي بها في مهاوي الضلالة والغي . فالمؤمن محاط بفتنتين ما حيِيَ : فتنة الشبهات والشهوات ، فالأولى تهدم الأديان ، والأخرى تهدم الأبدان ، ولا يشك عاقل أن الأولى فسادها أعظم وعاقبتها أشنع ،يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : واشتد نكير السلف والأئمة للبدعة ، وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض ، وحذروا فتنتهم أشد التحذير ، وبالغوا في ذلك بما لم يبالغوا في إنكار الفواحش والظلم والعدوان ، إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد . مدراج السالكين 1 / 327 .

وكلما لبس الضلال لباس الدين والتقوى ، واتشح بوشاح الفضل والعلم فدرؤه أصعب وكشفه يستحيل إلا على العلماء الربانيين ، يقول الشوكاني رحمه الله : وقد تكون مفسدة اتباع أهوية المبتدعة أشد على هذه الملة من مفسدة اتباع أهوية أهل الملل ، فإن المبتدعة ينتمون إلى الإسلام ، ويظهرون للناس أنهم ينصرون الدين ويتبعون أحسنه ، وهم على العكس من ذلك والضد لما هنالك فلا يزالون ينقلون من يميل إلى أهويتهم من بدعة إلى بدعة ويدفعونه من شنعة إلى شنعة ، حتى يسلخوه من الدين ويخرجونه منه ، وهو يظن أنه منه في الصميم ، وأن الصراط الذي هو عليه هو الصراط المستقيم . فتح القدير 1 / 169 .

لذا فإن السلف رضوان الله عليهم قد اجتهدوا في كشف عوار المبتدعة أكثر من اجتهادهم في بيان ضلال أهل الإلحاد و الملل الأخرى ، واشتد نكيرهم على الأولين أكثر من الآخرين ، يقول ابن الجوزي رحمه الله : قال أبو الوفاء علي بن عقيل الفقيه : قال شيخنا أبو الفضل الهمذاني : مبتدعة الإسلام و الواضعون للحديث أشد من الملحدين ، لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج ، و هؤلاء قصدوا إفساده من داخل ، فهم كأهل بلد سعوا في إفساد أحواله ، و الملحدون كالمحاصرين من خارج ، فالدخلاء يفتحون الحصن ، فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له . الموضوعات 1 / 51 ، الصارم المسلول 2 / 329 . ويقول ابن القيم رحمه الله : فهم أعظم ضررًا على الإسلام وأهله من أولئك لأنهم انتسبوا إليه وأخذوا في هدم قواعده وقلع أساسه ، وهم يتوهمون ويوهمون أنهم ينصرونه . الصواعق المرسلة 3 / 821 .

ويخرج بعد هذا البيان قائلهم : أليس الأولى بكم الرد على العلمانيين واليهود والنصارى ؟!! من أن تردوا على إخوانكم المسلمين !! وعجبًا لقولهم !! أيرضى أحدهم أن تعيش بلاده بلا شرطة ، بحجة أن الجيش يكفي لصد العدو الخارجي !! ألا يرون في ذلك فساد البلاد والعباد بل وفساد الجيش نفسه الذي يقف على ثغور الإسلام في الوقت الذي تحمي أعراض الجند و تحفظ بيوتهم الشرطة !! ما أسوأ وأقبح أن تخالف العقل والنقل . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين ، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعًا ، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :  إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم . مجموع الفتاوى 28 / 232 .

وقد حلت اللعنات الإلهية على بني إسرائيل لاجتنابهم إنكار المنكر إذا رأوه يقع من أقوامهم وأهليهم  يقول الله تعالى عن سبب لعنهم : " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يصنعون " 79 المائدة . فلا بد من تنقية الصف الإسلامي مما يشوبه من براثن البدع والخرافات ليصفو ويقوى على مواجهة العدو الخارجي ، ولكي يكون نموذجًا يحتذى لراغبي الهداية إلى الحق . يقول ابن تيمية رحمه الله : المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى ، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة ، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين . 28 / 53 .   

وإنه لمن مضار السكوت على المخالف ( 1 ) :
1- تعطيل الأصل الأصيل الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومجاهدة المبطلين .
2- ارتفاع أهل الأهواء على أهل السنة .   3- مد المخالفة وامتداد رواقها وانتشارها .
4- فشو الشبهة ومداخلتها للاعتقاد الحق  . 5- تحريك العقيدة الحقة عن ثباتها وتضعيفها .
6- ظهور المبطلين في المجامع وعلى درجات المنابر ومشاغبة المصلحين والتحريش بهم .
7- إسقاط العقوبة الشرعية لأهل الأهواء .   
8- إغراء الغزاة لاجتياح ديار الإسلام بعد هوان العقيدة الصافية وضعفها على أيدي أهل الأهواء .
9- موات الغيرة على حرمات الدين واستعصاء إصلاح الدهماء على العلماء .
10- تحجج العامة بالسكوت على نسبة الأهواء والشهوات إلى الدين .

وهذه جملة من آثار السلف ( 2 ) في تعظيم المخالفة لأهل البدع ومجانبتهم وإظهار أن خطرهم على المسلمين أشد من العدو الخارجي وأشد من خطر أهل المعاصي والفسق : 

* قال أبو موسى : لأن أجاور يهوديًا ونصرانيًا ، وقردة وخنازير ، أحب إلي من أن يجاورني  صاحب هوى يمرض قلبي . الإبانة 2 / 468 .
* قال يونس بن عبيد لابنه : أنهى عن الزنى والسرقة وشرب الخمر ، ولئن تلقى الله - عز وجل - بهذا أحب من أن تلقاه برأي عمرو بن عبيد وأصحاب عمرو . الإبانة 2 / 466 .
* قال العوام بن حوشب في حق ابنه عيسى : والله لأن أرى عيسى يجالس أصحاب البرابط والأشربة  والباطل أحب إلي من أن أراه يجالس أصحاب الخصومات أهل البدع . البدع والنهي عنها لابن وضاح 56 .
* قال يحيى بن عبيد : لقيني رجل من المعتزلة فقال ، فقمت فقلت : إما أن تمضي وإما أن أمضي ، فإني أن أمشي مع نصراني أحب إلي من أن أمشي معك . البدع والنهي عنها لابن وضاح 59 .
* قال سعيد بن جبير : لأن يصحب ابني فاسقًا شاطرًا سنيًا ، أحب إلي من أن يصحب عابدًا مبتدعًا . الإبانة لابن بطة 132 .
* قال أبو حاتم : سمعت أحمد بن سنان يقول : لأن يجاورني صاحب طنبور أحب إلي من أن يجاورني صاحب بدعة ، لأن صاحب الطنبور أنهاه وأكسر طنبوره ، والمبتدع يفسد الناس والجيران والأحداث . الإبانة لابن بطة 2 / 469 .
* قال الشافعي : لأن يلقى العبد الله بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الهوى . الاعتقاد للبيهقي 158 .
* قال أحمد بن حنبل : قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة ، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة ، فساق أهل السنة أولياء الله وزهاد أهل البدعة أعداء الله . طبقات الحنابلة 1 / 184 .

وأختم بفتوى للعلامة الصالح محمد بن صالح بن عثيمين درج فيها على فقه السلف واعتقادهم ، فهو من بقيتهم رحمه الله وقدس روحه :

سائل يقول : هل من الحكمة العمل مع الأحزاب الإسلامية التي تواجه العلمانية والشيوعية وغيرها من المبادئ الهدَّامة ؛ أم الحكمة ترك هذه الأحزاب وترك العمل السياسي مطلقًا ؛ جزاكم الله خيرًا ؟
 
الجواب : الحكمة في هذه الأحزاب ؛ أن نعمل بما كان عليه السلف الصالح من سلوك الطريق الصحيح في أنفسنا أولاً ؛ ثم في إصلاح غيرنا ؛ ( وفي هذا كفاية في رد الأعداء ) ، والعمل مع الفرق الأخرى الضالة التي تنتسب إلى الإسلام قد لا يزيد الأعداء إلاَّ شدة ( ! ) لأنهم سوف يدخلون علينا من البدع الضالة ؛ ويقولون : أنتم تقولون كذا وكذا ؛ لأننا أمامهم طائفة واحدة !! ؛ فيحصل لنا الضرر في هذا الاجتماع المشتمل على البدع والسُنة ، لكننا نجانب هذا كله وندعُو من طريق واحد ؛ وهو طريق السلف الصالح وكفى به كفاية ؛ وما هذا الفكر الذي يقول نجتمع كلنا من أهل السُنة وأهل البدع في مقابلة الأعداء ؛ ما هذا النظر إلاَّ كنظر من يقول : هات الأحاديث الضعيفة واجمعها في الترغيب ؛ واجمع الأحاديث الضعيفة في الترهيب من أجل أن يرْغب الناس في الطاعة وأن يرْهبوا من المعصية ، وهذا خطأ ( !! ) . ولهذا لا نرى إيراد الأحاديث الضعيفة لا في الترغيب ولا في الترهيب ؛ لا نرى إيرادها إطلاقًا ( ! ) ؛ إلاَّ مقرونة ببيان الضعف ؛ لأن في الأحاديث الصحيحة الكفاية . كذلك في طريق السلف الصالح ( الخالص ) من شوائب البدع فيه كفاية .اهـ ( 3 )
____________________________________________
( 1 ) با ختصار وإيجاز من كتاب الرد على المخالف لبكر بن عبدالله أبو زيد ، ص 81 - 83 . دار العاصمة بالرياض .
( 2 ) الآثار مستفادة من كتاب لم الدر المنثور من القول المأثور لجمال بن فريحان الحارثي ، ص 47 - 49 . مكتبة الهداية بالجزائر .
( 3 ) الفتوى على شبكة الإنترنت صوتيًا ومقاليًا .

الثلاثاء، أغسطس 02، 2011

شيزُوفرينيَا أهْل التعدِيل وَ التعْديل














يعرض لأحدهم ما يسمى بالشيزوفرينيا ، وهو مرض فصامي تتعدد فيه الآراء المتناقضة لدى نفس الشخص الواحد . فإذا ما أصابه ذاك المرض العضوي جراء أسباب تعرض لها في البيئة التي يعيش فيها عذرناه وتجاوزنا عما يصدر من فعاله ودعونا الله له بالشفاء والعافية . لكن إذا عمد معافٌ إلى التلبس بهذا المرض واتباع سنن المبتليْن به ، وهو في الحقيقة ليس منهم ، ولا مبتلا بمرضهم ، فهذا لا نعذره ولن نتجاوز عن أفعاله ، لكن سندعوا الله له بالهداية والعافية .

لن أتحدث كثيرًا عن علم الجرح والتعديل وفضله ، وكيف كان سببًا رئيسًا في حفظ الشريعة من التحريف والتبديل حتى الآن ، حتى حسدنا عليه أصحاب الملل المحرفة ، فقد أخرج الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع بإسناده عن عبدالله بن المبارك رحمه الله أنه قال : الْإِسْنَادُ عِنْدِي مِنَ الدِّينِ لَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ . 2 / 213

ودرج السلف الصالح على بيان انحرافات الفرق كالخوراج والرافضة والمعتزلة والجهمية والمرجئة والقدرية  والصوفية وحذروا منها وممن يدعون بدعواها إلى عصرنا هذا ؛ حفاظًا على عقائد المسلمين وتصفية لها مما يكدرها من شوائب البدع والخرافات ، حتى نبتت نابتة جديدة ليس لها أثارة من علم ولا نصيب من علوم السلف وفهومهم ، ورموا علماء الجرح والتعديل بما ليس فيهم ، وألصقوا بعلم الجرح والتعديل ما ليس منه ، وقعّدوا وأصلوا أصولا ما أنزل الله بها من سلطان ، ليخلوا الجو لأهل الهوى فيبثوا سمومهم في المسلمين ، وقد كان .

ولست في صدد التأصيل لهذا العلم الجليل وسرد الأدلة وبيان آثار السلف ، فقد قام به الأكابر وكفونا مؤنة ذلك ، ولكني سأقف في هذا المقال فقط على بعض العجائب والغرائب المتناقضة المتخالفة التي تصدر منهم عن جهل بقدر هذا العلم وحملته ، وصدق ابن حجر رحمه الله عندما قال : ومن تكلم في غير فنه أتى بمثل هذه العجائب . 

من ذلك هذان القولان المتناقضان : كل الدعاة على خير ×× إقرارهم بحديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة !! الذي أخرجه ابن وضاح في البدع 2 / 167 والمروزي في السنة 1 / 23 والآجري في الشريعة 1 / 307 وابن بطة في الإبانة  1 / 373 وصححه الحاكم في المستدرك 1 / 218 . 

ولا أدري ماذا يصنعون بهذا الحديث الثابت الصحيح !! أراح بعضهم نفسه وضعفه وليس لديه علم بالحديث لا رواية ولا دراية ، وإذا ضعفه فماذا يصنع بما ثبت عن الصحابة والسلف من التحذير من الفرق ورؤوسها والداعين إليها ! وكيف يكون كل الدعاة على خير والنبي الكريم عليه السلام قد قال كل الدعاة على ضلال إلا ... واستثنى صلوات الله وسلامه عليه نوعًا واحدًا فقط ! فهل يرون أن هذه الفرق وما فيها من ضلال كانت في العصور الأولى ولا وجود لها الآن ، إذا كان كذلك فالشرع والعقل والواقع يكذبون هذا . 

فأما الشرع فالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام قد بين أن هذه الفرق المتوعدة بالنار ابتداءً ستقع في الأمة ولم يحد هذا بزمن ولا عصر ، ومعلوم لمن لديه أدنى معرفة بالشرع أن الضلال هو الغالب على العالمين ، وهذا من أقدار الله عز وجل الكونية لا الشرعية ، قال الله تعالى : " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله " الأنعام 116 وقوله جل وعلا في العصر : " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " وإخبار النبي الكريم أنه في يوم القيامة يدخل الجنة من كل ألف واحد فقط كما في صحيح البخاري 4 / 138 . 


وأما العقل ، فلا يشك من أوتي أدنى دراية أن الضلال والغواية والانحراف تزيد وتتفحش مع تقادم الزمان وبعده عن زمن الرسالة ، تزايدًا اضطراديًا ، ومعالم الدين وعلومه تندرس وتقل كلما بعدت عن الأزمان الفاضلة والقرون المباركة . وأما الواقع فهو كالشمس لذي العينين فكل فرقة ضالة قد تولد عنها عشرات الفرق بل مئات الفرق الضالة ، التي تولدت عن الفرقة الأم ، ولا تجد بلدًا مسلما إلا وفيه من الفرق المنحرفة باسم الإسلام ما يعجز المرء عن عدّه وحدّه  !

ومن تناقضاتهم : إقرار - بعضهم - بوجوب اجتناب البدع ×× الثناء على أصحابها أوعدم التحذير من الداعين إليها !!

وكأن هذه البدع الضالة تمشي وحدها في أسواق المسلمين وتدخل بيوتهم ، وتدعو إلى نفسها بنفسها !! كيف تحذر ولدك من الكذب وعاقبته ثم تسمح له بمجالسة ومصاحبة من كان الكذب خلقه وديدنه ، ولا تحذر ولدك منه !! أو تقول له : بل هذا الكذاب الأشِر على خير !! يصرخ أحدهم بأعلى صوته بأن الصوفية أو الخوارج أو الأشاعرة مناهج مبتدعة وضالة ، ثم تسأله عن أحد منظري هذه المناهج  أوالمنافحين عنها ، فيقول لك : هو على خير ، لا بأس به !!

قال شيخ الإسلام في المجموع 28 / 230 :  وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة: مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكا والثوري والليث بن سعد - أظنه - والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ؟ فقالوا: بين أمره. وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: أنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا. فقال: إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم. ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد . 
 

ومن تناقضهم : قولهم : إن الجرح والتعديل خاص بزمن الرواة ×× استشهادهم بأقوال أئمة الجرح والتعديل على مذهبهم المنحرف !!
 
وهكذا الهوى يهوي بصاحبه ، فإذا كان علم الجرح والتعديل معهم  في شيء - زعموا - رفعوا شأنه واستشهدوا بعلمائه ، وإذا كان ضدهم وفاضحًا لعوارهم ، نفوا أن يكون له وجود فيما بعد عصر الرواة ! ولمزيد بيان نقول : هم يشنعون على علماء الجرح والتعديل في هذا العصر بقولهم لا حاجة في الكلام في أهل البدع في هذا الزمان فالجرح والتعديل  خاص بزمن الرواة ، ثم هم في موطن آخر عند تحذير العلماء من أهل البدع والضلال وذكر سيئاتهم ، يقولون : ما بالكم لاتنصفون ولا تعدلون وتذكرون الحسنات والسيئات كما فعل الذهبي وغيره . ونقول : إذا أسقطتم كلام الذهبي وغيره على المجروحين في هذا العصر ، فهذا اعتراف ضمني بأن الجرح والتعديل لا يخص زمن الرواة ! فها أنتم تستدلون بآراء علماء الجرح والتعديل في المجروحين وتسقطونها على مبتدعة العصر ! 

والشيء بالشيء يذكر ، فإن منهج الموازنات بين حسنات أهل البدع وسيئاتهم باطل ، فقد قال الخطيب البغدادي في الكفاية 117 : قال نافع بن أشرس : كان يقال : من عقوبة الكاذب ألا يقبل صدقه ، قال : وأنا أقول : من عقوبة الفاسق المبتدع ألا تذكر حسناته .  

إن الغاية من هذا العلم الجليل هو تنقية السنة النبوية مما يشوبها من الكذابين والوضاعين والمبتدعة ، وإن كان زمان الرواية ومجالس التحديث قد انتهت فما زال المبتدعة ينشرون ضلالاتهم في الآفاق ، ولذا فقد ذكر شيخ الإسلام فيما نقلناه آنفًا بعد أن ذكر الكلام في الرواة تجريحًا وتعديلا  أن الكلام في أهل البدع أحد غايات هذا العلم ، حيث قال : ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد . 

ومن تناقضهم :  لومهم علماء الجرح والتعديل كونهم يحذرون من أهل البدع  ×× التحذير من علماء الجرح والتعديل !!

وهذا من العجب العجاب ، يقول الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " ، فإذا كانوا يرون أن الجرح والتعديل خاص بزمن الرواة ، أو أن الدعاة كلهم على خير ولا ينبغي التحذير من أحد منهم ، فلم إذن يحذرون من العلماء الربانيين الذين يكشفون عوار أهل البدع ويبينونها لعموم الأمة ! 
                                  أحرام على بلابله الدوح              حلال للطير من كل جنسٍ

ومن تناقضهم : إقرار - بعضهم - أن البدعة أعظم من المعصية ×× التحذير من أهل المعاصي بأشنع الأساليب !!

تراهم يقفون أمام دعاة البدع وقفة إجلال واحترام ، أو سكوت عنهم وعن انحرافاتهم ، و أمام دعاة المعاصي والفسوق ، تجدهم يشنعون عليهم بأقبح ألوان التشنيع والتحذير ، بل قد وصل الأمر بالبعض إلى حد تكفيرهم ! فكيف لهؤلاء يرون البدعة أقبح وأعظم جرمًا من المعاصي ، ولا يحذرون من أصحابها ، ويحذرون مع أصحاب المعاصي ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رفيقًا بأهل الكبائر ، شديدًا على الذين يحدثون في الدين كموقفه عليه السلام من الثلاثة الذين زهدوا في النوم والطعام والنكاح دينا وتقربا إلى الله ، وككلامه عليه السلام في الخوراج ووصفهم بأنهم كلاب أهل النار ، على حين لم يكفر الخوراج جمهور أهل السنة والجماعة ، ونظائر ذلك كثير في كتب السنن ليس هذا المقال مكان بسطها .

وفي خاتمة هذه الوقفات ، دعوة للتأمل في كلام الإمام يحيى بن يحيى النيسابوري الذي قال فيه : الذب عن السنة أفضل من الجهاد . نقد المنطق 12 . وفقنا الله لما يحب ويرضى ، وجعلنا من عباده السعدا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

الخميس، يوليو 21، 2011

بَين الديموُقراطيّة و الليبرَالّية













  




في خضم ساحة الأوهام التي يعيش فيها كثير ممن يسمون بالإسلاميين .. وفي ظل الفوضى التي تمر بها البلاد ، أخذ هؤلاء على عاتقهم موضوع الشريعة ليقيموها فافتنوا في هدمها . يصيحون في كل المجامع والمجالس أن لا لليبرالية المنحرفة ونعم للديموقراطية التي يؤيدها الإسلام - زعموا - ، وما انفكوا عن تشويه الليبرالية وتزيين الديموقراطية .

وبالرجوع إلى تعريف تلك المصطلحات التي لولا جهل المسلمين وتخلفهم ما راجت ولا ذاعت ، تجد أن الديموقراطية الغربية التي ينادي بها هؤلاء هي عين الليبرالية ، يقول بعض المنظرين الغربيين في هذا المجال : " الديمقراطية الليبرالية (أو الديمقراطية الدستورية) هو الشكل السائد للديمقراطية في القرن الحادي والعشرين ومصطلح الليبرالية في "الديمقراطية الليبرالية" يشير إلى فكر الليبرالية السياسية ، ومن سمات هذا النوع من الديمقراطية وجود حماية لحقوق الأفراد والأقليات من سلطة الحكومة ، وتقوم الديمقراطية الليبرالية على تكريس سيادة الشعب عن طريق الاقتراع العام وذلك للتعبير عن إرادة الشعب واحترام مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وأن تخضع هذه السلطات للقانون من أجل ضمان الحريات الفردية وللحد من الامتيازات الخاصة ورفض ممارسة السيادة خارج المؤسسات لكي تكون هذه المؤسسات معبرة عن إرادة الشعب بأكمله " . (1 )

بل إن الليبرالية أكثر تحفظًا وتقييدًا من الديموقراطية إذا افترقا المصطلحان ، يقول منظروهم : " بينما الليبرالية تؤكد على حماية حقوق الأقليّات والأفراد ، وهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية " . ( 2 )

 فأي ديموقراطية يريدون !! إذا رغبوا عن الديموقراطية الليبرالية الغربية فأمامهم إذن مايسمى بالديموقراطية اللاليبرالية ( وتسمى أيضا الديمقراطية الزائفة ، الديمقراطية المنحازة ، الديمقراطية الفارغة )  والتي هي : " عبارة عن نظام حكم تصل فيه الحكومة عن طريق الانتخابات لكن أفراد الشعب لا يحصلون على حقوقهم بسبب غياب دستور في الدولة أو هيكل دستوري قانوني مناسب للحفاظ على الحريات المدنية كما في الديمقراطيات الليبرالية " .( 3)

 وبناء على ماسبق فالديموقراطية الليبرالية هي خير للإسلاميين !! إذ لو حادوا عنها لضاعت جهودهم ولذهبت أدراج الرياح . فهل هم يعرفون ماذا يريدون ؟!! إم إن الهوى يهوي بصاحبه .

  ومن خلطهم وتلبيسهم قولهم إن الليبرالية هي العلمانية والحقيقة غير ذلك ، فالعلمانية أشمل من الليبرالية ؛ فالأولى تفصل الدين عن الحياة بكل صورها حتى الحياة الشخصية ، أما الثانية فلا تُدخل في ذلك الفصل الحياة الشخصية . ( 4 )

أما آن لعقلاء القوم أن يفيقوا ، أما آن لهذه الغثائية أن تستبدل النافع بالزبد ، ونور الحق بظلام التبعية ، وطريق الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة باستنانهم بالغرب الكافر .. اللهم رد المسلمين إلى دينك ردًا جميلا .  --------------------------------------------------------------------------------
1- * الديمقراطية والليبرالية: بين التكامل والصراع، معتز بالله عبد الفتاح، جريدة الشروق أغسطس 2010   
* http://www.britannica.com/EBchecked/topic/339173/liberalism 
* Kwasi Wiredu, William E. Abraham, Abiola Irele, Ifeanyi. "Fellowship Associations as a Foundation For Liberal Democracy in Africa." A Companion to African Philosophy. Blackwell Publishing, 2006. p. 45  
2 - * http://www.britannica.com/EBchecked/topic/339173/liberalism 
3 - * Juan Carlos Calleros, Calleros-Alarcó,The Unifinished Transition to Democracy in Latin America, Routledge, 2009, p1
*The Rise of Illiberal Democracy, Foreign Affairs, November/December 1997. 
 4 - * http://www.britannica.com/EBchecked/topic/339173/liberalism --------------------------------------------------------------------------------              
هذه المراجع مستفادة من موقع الموسوعة الحرة ويكيبيديا بتصرف

الجمعة، يوليو 08، 2011

مـَاذا لـَو ؟!




















ماذا لو أتى صحابيٌ جليل - وحاشاه أن يفعل - بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ليستأذنه في حضور حفل افتتاح ضريح معاذ بن جبل رضي الله عنه ؛ ذلك أنه الصحابي الذي اهتز لاستشهاده عرش الرحمن ، ولا بأس أيضًا من أن يُبارك بعض الطوّافين بهذا الضريح والمتمسّحين به ؟!

ماذا لو دخل صحابيٌ جليل - وحاشاه أن يفعل - مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ودعا النبيّ عليه السلام وأبا بكرٍ وعمر وعثمان وعليًا وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهم وأرضاهم ، إلى حفلةٍ راقصةٍ فيها ذكر الله والصلاة على رسول الله ، ألسنةٌ ذاكرة وخواصر ورؤوس في الهز ماهرة ؟!

ماذا لو نادى صاحبيٌ جليل - وحاشاه أن يفعل - في جموع الصحابة ومعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هلموا إلى إعادة بناء وترميم مقابر البقيع ، نبني عليها القباب الملونة العظيمة ونجصصها ونكتب عليها أسماء أصحابها .. ماذا لو فعل ذلك وكلمات النبي ما زالت في مسامعهم منذ يومين أو أكثر حين نهاهم عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها - رواه مسلم من حديـث جابـر رضي الله عنـه - ؟!

ماذا لو جمع صحابي جليل - وحاشاه أن يفعل - سعد بن معاذ وحنظلة و سعد بن أبي وقاص وأبا عبيدة عامر بن الجراح وعمرو بن العاص رضي الله عنهم  وغيرهم ، وكونوا تجمعًا خاصًا بهم دون سائر الصحابة ، تحت مسمى إسلامي أو سياسي أو اجتماعي أو حتى ترفيهي ، ماذا لو علم النبي الكريم أن لهم اجتماعاتهم الخاصة بعيدًا عن باقي الصحابة ، وأن لهم مجالس في أماكن معينة غير التي يرتادها باقي الصحابة ، وأن لهم أنشطة خاصة بهم لا يمارسونها مع باقي الصحابة ، وأنهم يبايعون قائدهم على السراء والضراء ، كما أنهم حريصون كل الحرص على اعتلاء منبر مسجد قباء ، ومنبر مسجد ذي القبلتين فإذا ما تمكنوا منهما لن يمكنوا أحدًا من الصحابة الذين لم ينضموا إليهم من اعتلائه ؟! ماذا لو جلسوا بجانب النبي صلى الله عليه وسلم وفي مسجده وهو يأمر المؤمنين بأداء الزكاة الواجبة وبأداء خمس الفيء والغنيمة وغيرها من الواجبات المالية في الشريعة الإسلامية ، وهم في نفس الوقت وفي مجلس يجاور مجلس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم  يأمرون مريديهم بواجب مالي آخر محدد القيمة يدفع لهم دوريًا وباسم الشريعة ؟!

ماذا لو أتى صحابي جليل - وحاشاه أن يفعل - بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه رضوان الله عليهم ، يبشرهم ويهنؤهم بنجاح ترجمته لكتاب يوناني اسمه " الديموقراطية مخرجة الشعوب من الظلمات إلى النور " إلى اللغة العربية ، وأنه كتاب لا مثيل له في سياسة البلاد والعباد ، كتاب فيه جميع الحلول العلمية والواقعية لمجتمع المدينة النبوية الجديد ، كتابٌ الحاجة إليه ماسة ، فنحن في صدد إنشاء أول دولة إسلامية في التاريخ ؟! ماذا لو أطنب هذا الصحابي مسامع النبي الكريم بأن المرجع في هذا النظام والتحاكم فيه لا إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسول الله ، إنما المرجع والحكم للعامة والدهماء ولو خالف شرع الله ، ففيه هم أصحاب القرار وبهم تسن التشريعات التي يجب أن يتحاكم إليها الصحابة ؟! ماذا لو سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الكلام ؟! كيف تراه فاعلا بصاحبه وبمن وافقوه ؟!

ماذا لو اتفق الصحابة والتابعون وعلماء القرون الثلاثة المفضلة - وحاشاهم أن يفعلوا - على قبول فكر الخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية والمجسمة والرافضة وغيرهم  كأصحاب فكر تنويري وثراء إسلامي ؟! ماذا لو قالوا : إنهم على هدى مستقيم !! و قد جانبهم الصواب في بعض المسائل ، لكنهم مع ذلك فهم على خير كثير ، ولهم مجهودات طيبة في الدعوة ، وأسلم على يديهم كثير من الناس ، فلا بأس من الانضمام إليهم والعمل تحت لوائهم ،  فقد تختلف الطرق والمناهج لكن المهم اتحاد الهدف و هو خدمة الإسلام ؟!!  ماذا لو قبلوهم ولم يحذروا الناس منهم ومن انحرافاتهم ؟! تُرى كيف سيكون مضمون الدين وكنه الشريعة التي كانت ستصل إلينا في القرن الحادي والعشرين ؟!

ماذا لو طالب صحابي جليل - وحاشاه أن يفعل - بأن نرد الصاع لأعداء الإسلام صاعين ، وأن نريهم أسود الإسلام كيف تزأر وتدافع عن بيضة الإسلام وتحمي أهله ، وأن نرد كيد الأعداء في نحورهم وأن نريهم عزة وعز الإسلام وأهله ، وكيف أننا نؤثر الموت على الحياة في سبيل الإسلام ، وذلك عن طريق الامتناع عن أكل طعام الأعداء و شرب عصائرهم ، وبأن نمشي في طرقات المدينة النبوية معقل العزة والشرف ومأوى الأسود والشجعان ونقول : لا لقبيلة قريش .. يسقط أبو لهب ؟!

ماذا لو طلب صحابي جليل - وحاشاه أن يفعل - من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لعائشة بنت الصديق وفاطمة بنت محمد وحفصة بنت عمر وزينب بنت حنظلة وآمنة بنت الأرقم رضوان الله عليهن أن يجلسن مع الصحابة جنبًا إلى جنب في حضرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم  وفي مجلسه، أو حتى في غيابه ، لا سيما وهن أشرف نساء العالمين وأطهرهن وأكثرهن عفة واحترامًا وأفضلهن خلقًا ، والصحابة الكرام كذلك أيضًا عفة واحترامًا وخلقًا ، ولا بأس أيضًا من أن يتسامروا معًا ما دام المجلس خاليًا من ألفاظ خادشة للحياء - وعجبًا لحياءٍ يستحي منه الحياء - ؟!

ماذا لو عرض صحابي جليل - وحاشاه أن يفعل - على النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ حفيديه الحسن والحسين رضي الله عنهما وعن أبيهما وعن أمهما ،  وهما مازالا صغيرين في مهدهما لم يتعلما شيئًا بعد ، اللهم إلا القليل من أركان الإسلام وبعض اللغة العربية ، وأن يعلمهما - مجانًا وبدون مقابل - اللغة اللاتينية ليكونا بارعيْن فيها كتابة وتحدثًا ؟! ماذا لو عرض عليه ذلك وهما لم يتعلما شيئًا من القرآن الكريم ، ولم يتقنا بعد اللغة العربية ؟!

ماذا لو طلب صحابي جليل - وحاشاه أن يفعل - من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يشاركه في رحلة خلوية بصحبة بعض الصحابيات - وحاشاهن المشاركة - لقضاء بعض الوقت والاستماع لبعض المغنيين والمغنيات ، ثم الاستمتاع بالفرجة على بعض الراقصين والراقصات ؟!

ماذا لو عاش النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم بين ظهرانينا في هذا الزمن ، ورأى ورأوا ماذا حل بنا وما ألمنا من المصائب والمدلهمات ؟! ماذا تراهم فاعلين ؟!!

     

السبت، يونيو 25، 2011

حَدِيثُ الفَزّاعَات



















 ربما تتعدد وسائل الدعاية لمنهج ما ، أو تختلف طرائق الهيمنة على مجموعة ما من البشر ، أو ربما تسيطر على أحدهم وسائل الإرهاب الفكري لنشر معتقداته ومبادئه ، لكن تبقى وسيلة " الفزَاعة " أقلها نبلا وأضعفها حُجة . الفزَاعة كما ذكر أهل اللغة لها معنيان : إما بمعنى الكثير الفزع أو الذي يُفزع ، والمعنيان ينسحبان على فزاعات الآونة الأخيرة وينطبقان عليها .

 لجأ بعض ولاة الأمور في كثير من بلادنا إلى استخدام فزاعة الإسلاميين في وسائل إعلامهم المرئية والمسموعة وعلى صفحات جرائدهم ، عن طريق إضعاف شوكة هؤلاء الإسلاميين ، أو تشويه صورتهم بذكر أخبار تنفّر الناس منهم وتثير كراهيتهم ، أو بإظهار جمودهم وجهلهم وتخلفهم ورجعيتهم ، أو بإلصاق التهم بهم ، إلى غير ذلك من الوسائل . اعتقادًا منهم أن ذلك يثبت أركان حكمهم ويوطد دعائم دولتهم ، كما أنه يضمن رعاية القوى الكبرى ودعمها إياهم . 

فزَاعة لطالما أتت على كثير من الأخضر واليابس لدى هذه الأمم ، فكم أنفق هؤلاء الحكام أموالا على تلكم الوسائل ، وبذلوا الكثير من جهدهم وأوقاتهم فيها ، وبدلا من أن تقل أعداد الإسلاميين نراهم يتزايدون ويتزايدون ، ولكنها زيادة عليها غبش وفيها عطن و ملؤها الغثائية والغبن . ذلك أن الممنوع مرغوب فمتى حذرت ومنعت وسفَهت أحدًا لا بد وأن يتساءل الناس عنه ويبحثوا عن حقيقته ، وفي ساحة الفراغ العقلي والخواء العقدي والغياب العلمي ، نمت كثير من الأفكار المنحرفة عن الإسلام باسم الإسلام ، وتزايد أتباعها وتفرقت مذاهبها ، وكل حزب بما لديهم فرحون .

كان ينبغي على ولاة الأمر العناية بتعليم المسلمين صحيح الدين ونشر السنة بين الناس ، وتعليم الصغار قبل الكبار أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ومذهب الصحابة الكرام والقرون المفضلة ، فبها يتميز الحق عن الباطل وبها ينأى الشباب عن الوقوع بأنفسهم في براثن البدع العقدية والعملية ، ويتحررون من قيود الحزبيات المقيتة ، والتبعية المذمومة والتقليد الأعمى لبشر مثلهم يخطئون أكثر مما يصيبون ويفسدون أكثر مما يصلحون . عناية تنقذهم من العصبية للأشخاص والولاء والبراء تجاه أفكارهم والموالاة والمعاداة عليها . فزَاعة لم تأت بخير أبدًا لا للحاكم ولا للمحكومين ، اللهم إلا خفوت أصوات الأحزاب المسلحة وضعف شوكتها واستئصال شأفتها .

واليوم وبعدما ذاق الإسلاميون مرارة الفزّاعة الأولى واكتووا بنارها ، وبعد أن كانوا يرون أنها بخست حقوقهم ولم تنصفهم أمام الناس ، وأنها وسيلة من لا وسيلة له ، ها هم اليوم  يستخدمونها ضد ما يُسمى بالعلمانيين . فهم يشوهون صورتهم ويسيئون إلى أشخاصهم ويذكرونهم بالسوء وقبائح الأمور وأرذلها مما قد يكون فيهم أو قد لا يكون . وفي حقيقة الأمر تختلف العلمانية من بلد لآخر وتتفاوت صورها ودرجة قوتها وانحرافها ، فما بين الإلحاد إلى إبعاد الدين عن السياسة مع الرضا بالدين ، ثمة درجات وطبقات لا ينبغي إغفالها عند معالجة ما يسمى بالعلمانية . وغالب الظن أن هؤلاء الذين يسمون بالعلمانيين ويعيشون بين ظهرانينا هم أقلهم درجة وأدناهم مرتبة إذا ما نظرنا إليهم بالمقارنة بما هو كائن في أرجاء العالم .

إن هذا العلماني الذي يعيش بيننا وإن اتفقنا على قبح مذهبه وانحراف فكره ، إلا أن طريقة تلك الأحزاب التي تسمى بالإسلامية في مواجهتم لا تزيد هؤلاء إلا قوة وبأسًا ، ذلك أن انحرافات كثير منهم  وخاصة من تشرَب فلسفات الغرب وعقائده واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار للقاصي قبل الداني وللجاهل قبل المتعلم ، ولغير المتدين قبل المتدين . ماذا تنتظر من أي مسلم عندما يسمع أن أحدهم يكره سنن الإسلام الظاهرة ، أو أن أحدهم يسفَه رموز الإسلام العالية ، أو يبغض مظاهر الإسلام في الحياة العامة ، أو يفصل الدين عن الحياة كلها ، أو يتكلم في حق الله جل في علاه بما لا يليق ! 

وهم مع ذلك يستغلون تهافت هؤلاء الإسلاميين على الرد عليهم في صنع أبطالهم وتلميع مفكريهم . وما كان لهم أن يشتهروا ولا أن يعرفوا من الأساس لو لا تسليط الضوء عليهم والسعي في كل الأماكن وخلال كل المنتديات إلى فضحهم وبيان عوراهم . ومما نأسف له أن كثيرًا من الأحزاب المسماة بالإسلامية لم تجد طريقًا أقصر ولا وسيلة أسرع إلى جمع الناس حولهم إلا استغلال عاطفتهم تجاه الدين ، وغيرتهم من أن يمس بسوء . وعند هذه النقطة تلاقت رغبتا العلمانيين والإسلامين ، والناس فيما بينهم كفريسة تتصارعها فكوك السباع .

كثير من علمانيي منطقتنا تتصارع في عقولهم تقاليد ومعتقدات أوطانهم و تقاليد ومعتقدات الغرب ، وكم منا يستطيع من خلال هذا الصراع أن يعود بهم إلى صحيح معتقدهم ، ومن أبى فقد قال الله تعالى في حق من هم أقبح منهم : " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " . ولو أردت أن تبحث في أصول ضلال هذا العلماني ، أو في أسباب غيَه وفساد فكره ، لن تجد أمامك إلا أصلين رئيسين : الأصل الأول : تشرَبه لفلسفات الغرب ومعتقداتهم المخالفة للإسلام ، وقد ذكرنا من قبل صورًا لذلك . والأصل الثاني : تشربه لفكر أحد المفكرين العقلانيين الذين يسمون بالإسلامين ، والاستدلال بأقواله وكتبه على انحرافه وضلاله . والأصل الثاني أشد خطرًا وأكثر عددًا ، فكم منهم إذا قيل له : الإسلام يحرم كذا أو يمنع كذا ، قال لك : لكن المفكر الإسلامي فلان أباحه وأحله ، إذا قيل له : السنة وأحاديث النبي الكريم تقول كذا وكذا يقول لك : لكن المفكر الإسلامي فلان يقول بأن أحاديث الآحاد لا تقبل وتكفينا المتواترة ، وما علم هو ولا مفكره ذاك أن الأحاديث المتواترة لا تزيد عن المئة إلا قليلا ، وأن جل الأحاديث النبوية  آحاد ، وعليها قامت أكثر شعائر الدين . إذا قيل له يجب على المرأة كذا وكذا من الأحكام الشرعية ، قال لك : لكن المفكر الإسلامي فلان أباح لها ذلك وأقره ، وقد لا يستدل بهذا المفكر لتعظيمه واحترامه له وإنما للانتصار لقوله وحسب ، وقس على ذلك .

رحم الله سلفنا الصالح حيث أكدوا  وبينوا أن البدع وأهلها أشد خطرا على الإسلام وأهله من العدو الخارجي ، ذلك أنهم يهدمون من حيث لا يعلمون ، وضررهم على الناس خافٍ ، ومساوؤهم في تفريق الكلمة وذهاب ريح المسلمين ظاهرة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : قال أبو الفضل الهمداني رحمه الله تعالى : مبتدعة الإسلام و الكذابون و الواضعون للحديث أشد من الملحدين ، قصدوا إفساد الدين من خارج ، و هؤلاء قصدوا إفساده من داخل ، فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله ، و الملحدون كالمحاصرين من خارج ،  فالدخلاء يفتحون الحصن ، فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له . [ الصارم المسلول ٢ /  ٣٢٩ ]

وعليه فللقضاء على طائفة لا بأس بها من العلمانيين لا بد من تنقية وتصفية ما ينشر ويكتب ويؤلف ويلقى على مسامع الناس باسم الإسلام ، والتوجيه وبذل النصح في هذا الباب ، والأخذ على أيدي القائمين على ذلك بالنصح تارة وبالتحذير تارة إذا ذاع ضلاله وغدا كلامه حديث الناس في مجامعهم ودينًا يدينون الله به ويلقونه عليه . وأما الطائفة المتلبسة بالأصل الأول وحسب   فبيان تلبيسهم وضلالهم واجب بلا شك وإن كان لا يُحتاج معه إلى كثير بيان ، ولا لعظيم جهد .

وإن يكن بعد هذا الطرح من فزَاعة تستحق الخوف والفزع حقًا وصدقًا ، فإنما هي الوقوف بين يدي الله عز وجل " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " ، " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " .    

الجمعة، مايو 06، 2011

مَن يقُود السَّفينة ؟!

















إن العلاقة بين الحاكم والمحكوم دائما ما كانت مثار جدل عبر التاريخ الإنساني كله ، فكم من حاكم قاد رعيته بالحديد والنار ، وكم من شعب ثار على حاكمه واستأصل شأفته وقتله شر قتلة . وبين هذا وذاك يظهر حاكم عادل يسود رعيته بالحب والعدل ويدين له رعيته في المقابل بالطاعة والحب والولاء ،بيد أن هذا النوع من القلة بمكان حيث يعدون على أصابع اليد في تاريخ بلد أو أمة ما .

لم تفلح كثير من الأمم في تنظيم شئونها وتعديل مسار تاريخها السياسي فعاشوا حياة الفوضى والهمجية وساد في بلادهم قانون الغاب ، فكثير من شعوب أوروبا إبان عصورهم المظلمة كانوا على هذا الدرب الوحشي . على حين اختارت الشعوب التواقة للتحضر والتقدم أن تحكمها مؤسسات تتمثل في الحاكم وما يعينه على تسيير شئون البلاد والعباد ، وتأكد لها أنه لامناص عن هذا الحل إن أرادت الرفعة والسمو لبلادها . وما إن وصلت البشرية إلى هذا اليقين حتى سعت في تكوين العديد من التصورات للحاكم الذي يدير البلاد .
 
فحضارات قديمة كالفراعنة والبابليين والصينيين وغيرهم عمدوا إلى هذا الحل وأنشأوا أول حكومات تدير البلاد في التاريخ . وطفت على سطح الأحداث في تلك الأزمان مسألة ضمان الطاعة والولاء والالتزام الأخلاقي تجاه الحاكم حتى تستقر أمور البلاد ، فكان لجوؤهم إلى فكرة تأليه الحاكم ضرورية حتى يطمأنوا إلى استمرار ولاء الرعية لحاكمهم ، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير .

فما بين التأليه والفوضى عاشت الشعوب جزءا لا بأس به من التاريخ الإنساني . لكن الحقيقة التاريخية التي لا يستطيع إنكارها عاقل هو أن الأمم التي نصّبت حاكما لها ولو ادعوا ألوهيته شيّدوا أعظم الحضارات التي عرفها التاريخ . 

ثم حدث أن شهد التاريخ الإنساني نموذجًا مثاليًا للحاكم بظهور الإسلام ، حاكم يستمد استقراره وقوته و ولاء شعبه من رافدين أساسيين : الالتزام الأخلاقي الشرعي بوجوب طاعة ولي الأمر ما لم يأمر بمعصية ، وعدله ورعايته لمصالح رعيته واعتناؤه بما يقيم شئون دينهم ودنياهم . انبنى على هذا الأساس وهذا التناغم الفريد بين الحاكم والمحكوم أعظم حضارة عرفها التاريخ .  

ظهرت أيضا نماذج تاريخية أخرى من أنظمة الحكم  تتعارض و مفهوم السلطة الحقيقية للحاكم ، فرأينا كيف كان السلطان أو الخليفة مجرد رمز للشعب وممارسة الحكم الفعلي في يد آخرين كالأقارب مثلا أو الوزراء ، أو أصحاب النفوذ والقوى ، أو في يد القوة العسكرية ، أو في يد محتل أجنبي .

بعد هذا التنوع التاريخي في أنظمة الحكم ومع سطوع شمس العصر الحديث وتخلي المسلمين عن حضارتهم الدينية والعلمية والسياسية والأخلاقية وعزهم التليد ، استمر تخبط الشعوب في  اختيارأنظمة الحكم ، فمنهم من فضل الملكية وآخرون أرادوها اشتراكية وآخرون جمهورية ، وشعوب اختارت الديموقراطية . ولم يعد أمامنا تقريبا إلا اتجاهين رئيسيين في الحكم .

اتجاه شمولي ديكتاتوري يعتمد على الولاء المطلق من طائفة ما للحاكم ، تستأثر هذه الطائفة بكل أنواع القوة والنفوذ في البلد ، ولا تعيش إلا على مبدأ التخوين والاعتقال الدائم لكل المعارضين وإيذائهم ، والعمل على بث الرهبة والخوف في كل صفوف الشعب . والعجيب أن كثيرًا من تلك الشعوب أحبت حاكمها على الرغم مما فعله بهم ، فعشق الروسيين للينين والمصريين لجمال عبدالناصر والكوبيين لكاسترو لا يخفى على أحد . مما يعيب هذا الاتجاه - مع كونهم قد  ينعمون بالاستقرار - انتشار التخلف والجهل وضعف الاقتصاد ، وهبوط معدلات النمو والتطور  .

اتجاه ديموقراطي حر يقوم على تدوال السلطة ، ويعتمد على أن الشعب هو مصدر السلطات ، والحاكم ما هو إلا وسيلة لتسيير أمور البلاد بما يتوافق مع ما تشرعه وترغب فيه المؤسسات التشريعية في هذه البلد أو تلك . وهو الاتجاه الذي يروَج له كثيرا في كل الأوساط الإعلامية في البلاد الإسلامية . 

في نظام الحكم الديموقراطي لا يستأثر الحاكم بالحكم وحده ، ولا الشعب وحده هو الذي يحكم ، ولا المؤسسات التشريعية كمجلس الشعب أو الشورى أو مجلس الشيوخ أو البرلمانات بتنوعها هي التي تحكم وحدها ، ولا القوات المسلحة هي التي تحكم وحدها . بل هو حكم مشترك بين كل هؤلاء ويتفاوت نصيب كل منهم في الحكم باختلاف أحوال البلاد وظروفها التاريخية . وهنا سؤال يطرح نفسه : من الذي يحكم إذن ؟! وهل يعقل أن تستقر أحوال البلاد إذا قادها كل هؤلاء على اختلاف أهوائهم وتوجهاتهم ؟ إن بلدًا مثل أمريكا أتاح هذا الصراع الخفي على السلطة بين هذه الأطراف السبل لكثير من المفسدين والمنحرفين كاللوبي الصهيوني إلى التغلغل في كل مؤسسات هذه البلد بل والتحكم فيها ، ومن ثم التحكم في كثير من مقدرات العالم . أدت هذه الفوضى المنظمة في الحكم إن صح التعبير إلى سياسة خارجية متخبطة وإلى إهدار أموال البلاد فيما لا طائل منه ولا هدف . حقا قد تستطيع تلك الشعوب إسقاط حكومة لا ترتضي أداءها أو سياستها ، ولكن بعد أن تكون قد مارست ما يحلو لها من السياسات الخاطئة . 

ماذا إذن لو حكم المسلمون بما يأمرهم به إسلامهم ! اختيار صحيح للحاكم مبني على الشروط التي دونت في كتب السياسة الشرعية ، ثم إعطاؤه السلطات والقوة التنفيذية المحكومة بالشرع ، ثم معاونته على رفعة شأن الأمة وازدهارها . إنها لحظة عزيزة أتمنى لو قدر لي أن أعيشها ولو ليوم . حاكم مسلم يدين له المسلمون بالولاء والطاعة في غير معصية ، حاكم يحرص على شئون الرعية ويجعلها نصب عينيه ، حاكم يبذل قصارى جهده في رفعة شأن بلده وقومه . ولا ضير لو جار بعض الجور أو قصر بعض التقصير ، فهو في النهاية بشر يصيب ويخطئ ، مادام يظهر الحرص والعناية ، ويوكل إلى من يستحق الخدمة والرعاية . ورعية تحفظ إمامها وتقومه و تسد على المخربين والمفرقين طرق التشتت والافتراق وتتقي الله عز وجل فيه . إننا لو استرشدنا واهتدينا بديننا القويم فلن تكون هذه الأمنيات الغالية عنا ببعيد ، والله الهادي إلى سواء السبيل .

السبت، مارس 26، 2011

حِكَايَة دُستور





















 يقال عن الدستور أن فيه مجموعة من القواعد الأساسية التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها ، ومدى سلطتها إزاء الأفراد ، وهو الإطار الذي يجب أن تلتزم به كافة القوانين . وقد كانت بداية هذا الدستور حين لجأت بلاد أوروبا في عصور الثورة الصناعية ثم النهضة إلى ترسيم هذه الوثيقة ومحاولة إلزام الحاكم والمحكومين بها ؛ وأسباب ذلك لا تخفى على أحد ، فقد عاشت أوروبا قبل تلك الحقبة عصورًا مظلمة ، لم يُنْجيها منها إلا حضارة المسلمين وازدهارُهم .


شرع الأوربيون في بناء حضارتهم ومجدهم والسعي الحثيث نحو العلم والتعلم ، لكن السلطة الدينية حالت دون هذا الطريق ، بل وصل الأمر إلى حد التهديد بالقتل والقتلِ ذاتِه إذا ما اشتهر عالمٌ في مكان ما ، أو نشر اختراعًا من اختراعاته ، و ما واقعة إعدام جاليليو بخافية على أحد . ثارت ثائرة شعوبهم على تلك السلطة وهذا القمع ، ونحُّوا دينهم جانبا ليواصلوا مسيرة التقدم وظهرما يسمى بالعلمانية . خلت الساحة إذن من مرجعياتٍ لها الاحترام والقدسية التي تلزم الحاكم والمحكومين الالتزام بها وتنفيذها ، فاضطروا إلى تدشين الوثائق وإنشاء القوانين التي تنظم علاقتهم و وتعطي كل ذي حق حقه .


تخلف المسلمون وتقدم الأوروبيون ، واحتلوا مساحات شاسعة من العالم الإسلامي ، بثوا فيها سمومهم وأفكارهم ، ونجحوا إلى حد كبير في إبعاد المسلمين عن دينهم ، ثم رحلوا بعد أن اطمأنوا على أن منابرهم الفكرية لن تهدأ ، فقد زرعوا في المسلمين من يتبنّى صوتهم ويدافع عنه حتى الثُّمالة . تحاكموا إلى غير الشريعة فتحاكمنا إلى غيرها .. نشروا رذائلهم تحت دعوى الحرية والعدالة والمساواة فنشرناها .. كتبوا الدستور فكتبناه .


عجيب أمر المسلمين ! لماذا يلجأون إلى هذا الدستور وبين أيديهم القرآن والسنة اللذان حكما المسلمين قرونًا من الزمان ، وعاشوا تحت ظلهما أزهى عصورهم في العلم والحضارة والعدل والرخاء والعز والتمكين . عجيب أمرنا لماذا نتحاكم إلى دساتير من صنع البشر ولدينا كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . إن للكتاب والسنة إجلالٌ وتقديسٌ وتعظيمٌ واحترامٌ لم يصل إلى عشر معشاره كل الدساتير الوضعية . ومن نظر إلى  موروثاتنا الشرعية والفقهية التي سطرها علماء الفقه والأصول والسياسة الشرعية والأحكام السلطانية وجد زادًا لا ينضب ومعينًا لا ينفد من التشريعات والقوانين التي تحكم الراعي والرعية ، وفيها أبواب من المرونة والتيسير الذي يصلح لكل زمان ومكان .


وقد يزداد عجبك حين تعرف أن دستورًا كدستور مصر مثلا تغيّر وعُدل فيه وحذف منه وألغي تمامًا إحدى عشرة مرة  منذ عام 1882 م وحتى عام 1971 م . وفي حقيقة الأمر لم يكن هذا الدستور محل تقديس أو تعظيم من قبل الحاكم أو المحكومين . ففي دستور مصر الأخير مادة تقول : الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ، وكلنا يعلم أن كثيرًا من أحكام الشريعة الإسلامية معطلة ، كما أن بعض أبناء هذا البلد المسلم ينفر من أحكام شرعية كالحدود والقصاص ، ويرى أن الملاهي والمراقص لا شيء فيها ولا ضير .  


من المواد التي وُضعت ولم تكن أيضا محل احترام أو تطبيق المواد الخاصة بالحرية الشخصية وحرمة التعدي على النفس ، وتجريم التفتيش الذاتي أو تفتيش بيت المواطن إلا بإذن من النيابة . ومنها أيضًا المادة التي تنص على وجوب احترام الحقوق العامة وحقوق العمال وأن لهم نصيب في إدارة المشروعات وفي أرباحها كما نصت المادة السادسة والعشرون . ومنها استقلال السلطة القضائية استقلالا تامًا وعدم خضوعها لأية ضغوطات أو ممارسات حتى لو كانت من قبل رئيس الجمهورية .  


من مواد هذا الدستور أن السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات كما في المادة الثالثة ، وفي ذلك مصادمة لأحكام الشريعة الغراء التي قررت أن مصدر السلطات التي يتحاكم إليها الناس لابد وأن تكون الشريعة الإسلامية . وفيه  من رواسب الحقبة الاشتراكية وضع حد أقصى للملكية الزراعية ، وذلك يتنافى والحرية الشخصية ويتعارض مع الملكية الخاصة . ومن التناقضات العجيبة في تلك الوثيقة اجتماع إعلان حالة الطوارئ في البلاد والتي تبيح للسلطات التعدي على حرية المواطن الشخصية والفكرية والخاصة لمجرد الاشتباه أو الشك ، مع تجريم التعدي عليه بأي شكل من الأشكال إلا بإذن من النيابة وبعد اتهام حقيقي مبني على التحقيق والتأكد . ومن التناقضات أيضًا أن هذا الدستور إنما يقوم على وضعه نخبة من العلماء والمفكرين والقانونيين والقضاة رعاية لمصالح البلاد والعباد وحرصًا على الأمن والاستقرار ، وهذه المصالح قد تخفى على كثير من عوام الشعب وأفراده ، فكيف يُستفتَوْن عليها إذن ؟!     




واليوم ها نحن نغير فيه مرة أخرى ونعدل ، ونحذف وندون موادًا جديدةً ، ثم نلغيه . وغدًا نضع دستورًا جديدًا ، ثم نغير ونعدل ، ونحذف وندون ، ثم نلغيه ، وهكذا .. حتى ينادي منادٍ بأعلى صوته أن كفى يا قوم .. أين عقولكم ؟! أين دينكم ؟! إلى متى هذه الغفلة ؟! إلى متى هذا الإعراض ؟! فيلقى آذانًا صاغية وقلوبًا واعية ، ونعود إلى أمجادنا التي تركناها ، ونسود من جدبد .